محور الأخلاق في الفلسفة

أخلاق الواجب
ليست القيمة الخلقية لفعل صادر عن الواجب (1) بقائمة في الغرض الذي يسعى إليه ويهدف وإنما هي قائمة في المبدأ الذاتي الذي على حسبه جرى الفعل وتكون، وهي كذلك لا تعتمد على تنفيذ ما للفعل من غرض وهدف وإنما تعتمد على مبدأ الإرادة أو المشيئة وحسب، وهو المبدأ الذي على حسبه، حدث الفعل بغض الطرف عن كل ما للرغبة من غرض ومن هدف. وهكذا يتضح مما سبق قوله أنه مهما يكن غرض أفعالنا ومهما تكن نتائجها كغايات ودوافع للإرادة فإنها لا تستطيع أن تمنح الأفعال قيمة خلقية (2) فإن لم تكن هذه القيمة موجودة في الإرادة أو بالقياس الى النتيجة المنشودة منها، ففيم توجد إذن وفيم تقوم؟ إنها لا توجد في غير مبدأ الإرادة بغض الطرف عن الأهداف التي ينبغي للفعل أن يحققها. لأن الإرادة تقف في مفترق طريقين هما: مبدؤها القبلي (3) وهو صوري ودافعها أو مصدرها البعدي وهو مادي، وبما أنه ينبغي لها أن تحدد بشيء ما نجم عن ذلك أنه ينبغي لها أن تتحدد بمبدأ الإرادة الصوري وذلك في كل حين يتم فيه فعل من الأفعال بحسب الواجب فيكون بذلك نزيها بريئاً من كل مبدأ مادي كأبعد ما يكون نزاهة وبراءة ذلك إن الفعل الذي يتم بسبب من الواجب وحب ينزه عن المبدأ المادي أبلغ ما يكون التنزيه.
كانط
المبادئ الأساسية لميتافيزيقيا الأخلاق
دار الشرف- حلب (بدون تاريخ)
(ص 41- 42)

صاحب النص:
كانط إيمانويل: (1724- 1804) فيلسوف ألماني، اهتم بنقد المعرفة ومن ثم عند مؤسسا للفلسفة النقدية- من مؤلفاته: نقد العقل الخالص- نقد العقل العلمي- نقد ملكة الحكم- تأسيس ميتافيزياء الأخلاق.
شرح وتعليق:
(1) الواجب الأخلاقي هو الفعل الذي يستحسنه العقل ويفرض القيام به على نفسه.
(2) إذا كانت الأفعال ذات قيمة خلقية مطلقة أصبح القيام بها أمراً ضرورياً وذلك لأنها تدخل في طبيعة الكائن الأخلاقي فلا يستطيع التخلي عن الوظائف الأخرى.
(3) الفطري السابق على الخبرة والتجربة.
الأسئلة:
1-  لماذا يصر كانط على تنزيه الفعل الأخلاقي من الرغبة؟
2-  لماذا يسند كانط الفعل الأخلاقي الى مبدأ قبلي؟
3-  ما غرض كانط من تنزيه الفعل الأخلاقي عن أي مبدأ مادي؟


أصل الواجب
كلما أجلنّا الفكر لنعرف كيف يجب علينا أن نفعل كلمنا صوت من داخلنا وقال: هذا واجبك! وإذا ما أخللنا بهذا الواجب الذي قُدم لنا على ذلك الشكل، قام نفس الصوت فكلمنا واحتج على ما فعلنا. ولما كان ذلك الصوت يكلمنا بلهجة الأمر والنهي، فإننا نشعر شعوراً عميقاً بأنه لا بد صادر عن كائن أرفع منّا شأناً، ولكننا لا نستطيع أن نتبين بوضوح من يكون هذا الكائن ولا ما هو. ولذلك نسبة خيال الشعوب الى شخصيات متعالية، أرفع شأناً من الإنسان، أضحت موضع عبادة، إذ العبادة ما هي آخر الأمر، إلا الشهادة الظاهرة على النفوذ الذي نقر به لهم، وبذلك استطاعت تلك الشعوب أن تجد تفسيراً لهذا الصوت العجيب الذي لا تشبه نبرته النبرة التي بها ينطق صوت البشر.
وقد أصبح واجبا عليناً نحن أن ننزع عن هذا التصور غلالة الأشكال الأسطورية التي تلفّع بها خلال عصور التاريخ وأن ندرك الحقيقة وراء الرمز. وهذه الحقيقة هي المجتمع. إذ المجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية هذه المشاعر التي تملي علينا سلوكنا إملاءً أو التي ترد الفعل بقوة إذا ما رفضنا الإنصياع لأوامرها. فضميرنا الأخلاقي صنعتها والمعبر عنها، فإذا ما تحدث ضميرنا كان المجتمع هو المتحدث فينا. غير أن اللهجة التي بها يكلمنا هي أحسن دليل على النفوذ المتميز الذي يتمتع به.
فالواجب هو الأخلاق من حيث هي تأمر وتنهي، وهو الأخلاق وقد تمثلت سلطة علينا أن نطيعها لأنها سلطة ولأنها كذلك فحسب. أما الخير، فهو الأخلاق وقد تمثلت شيئاً حسناً، يجتذب الإرادة، ويثير ما في الرغبة من التلقائية، ولئن كان من اليسير أن نتبين أن الواجب هو المجتمع من حيث يفرض علينا قواعده، ويضبط الحدود لطبيعتنا، فإن الخير هو المجتمع ولكن من حيث هو حقيقة أثرى من حقيقتنا، ولا نستطيع التمسك به دون أن ينتج عن ذلك إغناء لكياننا.
دوركايم (1): “التربية الأخلاقية”
Durkheim , L’éducation  moral
الهامش:
1)    دوركايم: (1858- 1917) مفكر وعالم اجتماع فرنسي.
الأسئلة:
1-  ما هي أوجه تدخل صوت الواجب في حياة الإنسان؟
2-  كيف كان الإنسان يتمثل صوت الواجب؟
3-  إلام يرجع الكاتب الواجب؟
4-  فيم يتمثل تصور الكاتب للمجتمع؟
5-  هل أن كل ما يصدر عن المجتمع أخلاقي بالضرورة؟


المسؤولية والوجود
أنا حر حرية شاملة، لا أتميز من العصر الذي اخترت أن أكون معناه، ومسؤول مسؤولية عميقة عن الحرب وكأني أنا الذي أعلنها، ولهذا ينبغي علي أن أشعر بأي تأنيب ولا أسف كما أني بغير عذر، لأنه منذ اللحظة التي انبثقت فيها الى الوجود. وأنا أحمل عبء العالم أنا وحدي، دون أن يستطيع أي شيء أو اي شخص أن يخففه عني.
ومع ذلك فإن هذه المسؤولية هي من نمط خاص جداً. إذ قد يعاب علي “فيقال: “إني لم أطلب أن أولد”، وهذه طريقة ساذجة في التوكيد على وقائعيتنا إني مسؤول عن كل شيء، اللهم إلا عن مسؤوليتي نفسها، لأني لست الأساس في وجودي. فكل شيء يجري إذن كما لو كنت مرغماً على أن أكون مسؤولاً. أنني مهمل (5) في العالم، لا بمعنى أنني سأظل متروكاً وسلبياً في عالم معاد، مثل لوح الخشب الذي يعوم على الماء بل بالعكس، بمعنى أجد نفسي فجأة وحدي وبدون عون. منخرطاً في عالم أحمل كل المسؤولية عنه، دون أن أستطيع، مهما فعلت، أن أنتشل نفسي، حتى ولا لحظة واحدة، من هذه المسؤولية، لأنني مسؤول حتى عن رغبتي نفسها في التهرب من مسؤولياتي وأن أجعل نفسي سلبياً في العالم. وأن أرفض أن أؤثر في الأشياء وفي الآخرين: هذا أيضاً هو أن أختار نفسي”.


طبيعة القانون الأخلاقي
يمكن أن يتبادر الى ذهن امرئ إتهامي بأني التجئ الى شعور غامض بإستعمالي كلمة الإحترام (1) عوضاً من أن أقدم حلاً واضحاً للمشكلة من طريق مفهوم عقلي. ومع أن الإحترام شعور إلا أنه ليس شعوراً ناجماً عن مؤثر ولكنه شعور نسجه مفهوم العقل نفسه وبذلك يتميز عن سائر المشاعر ذات النوع السابق والذي يعقب رغبة أو رهبة، ميلاً أو خوفاً، ثم إن ما أدركه بإحترام وأقره بإجلال وهذا يعني أني ِأشعر، ولكن ما نوع هذا القانون الذي ينبغي لمفهومه، بغض النظر عن النتيجة المتوقعة منه أن يحدد الإرادة تحديداً بسيطاً نقياً فيفضى بها إلى أن تسمى طيبة (2) من غير أن يكون لأية منقية فيها من مدخل يشوب بساطة ونقاء تلك التسمية؟ فقد علمتم أني سلخت الإرادة عن كل مؤثر يمكن أن تتلقاه من طاعتها للقانون غير أن تؤثر تاثيرات أخرى في عقلي. ونحن نسمي الشعور بالتحديد المباشر للإرادة بالقانون احتراماً. ولذلك نرى أن الإحترام نتيجة لتأثير القانون في المرء (الذات) وليس سبباً له. إن الإحترام في الحقيقة هو مفهوم قيمة تقلل أثرتي (3) وحبي لنفسي، فهو بذلك لا ينظر اليه على أنه موضوع من موضوعات الميل أو الخوف على ما فيه من شبه بالإثنين جميعاً. إن موضوع الإحترام وغرضه إنما هو القانون وحده، القانون الذي نفرضه على أنفسنا ومع ذلك نعده ضرورياً في ذاته. فإنا نخضع له بما هو قانون، بدون الرجوع الى حبنا لأنفسنا ومن هنا شبهه بالخوف. وبما أنا نحن أنفسنا نفرضه على أنفسنا فهو إذن نتيجة إرادتنا ومن هنا نشبهه بالميل. ليس احترام الشخص، في الحقيقة سوى احترام لقانون العدل والإستقامة ذلك القانون الذي يضرب ذلك الشخص مثالاً عليه من نفسه (إنما يعد الشخص مثالاً على القانون)، فإنا إذ نعد توسيع مواهبنا واجباً فلأننا ننظر الى شخص موهوب على أنه مثال من أمثلة القانون (لكي نصبح مثله بالمرور والدربة) وذلك وحده يشيد صرح احترامنا، وكل ما يسمى اهتماماً (أو دافعاً) خلقياً إنما يتوقف على احترام القانون ويتطلبه.
كانط
المبادئ الأساسية لميتافيزيقا الأخلاق
دار الشرق- حلب: (بدون تاريخ)
(ص: 44-45).
صاحب النص:
كانط: سبق التعريف به
شرح وتعليق:
(1) احترام القانوهن الأخلاقي أمر طبيعي فطري في الإنسان ينبع من مفهوم العقل ذاته ولذلك فهو بمثابلة المسلمة.
(2) الإرادة خيرة بطبعها، فهي كذلك بالفطرة، تنشر الخير لذاته وتتعلق به لا لغاية أو غرض آخر.
(3) الأنانية وحب الذات.
الأسئلة:
1-  ما هو أساس الشعور بإحترام القانون الأخلاقي؟
2-  ما السبب الذي جعل كانط يعتبر الإرادة حيرة؟
3-  من أي ناحية يشبه احترام القانون الأخلاقي الخوف؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لجديد دروسنا :