طرح المشكلة:إن تطور المجتمعات البشرية أدى إلى ظهور الدولة ككيان سياسي لهسيـادة و سلطة سياسيا و اقتصاديا فتعددت و تنوعت الدول تبعا لمقتضياتها الثقافيةو الإقليمية و مع سقوط الاقتصاد الموجه (الاشتراكي) و سيطرت الليبرالية سياسيا واقتصاديا ظهر مفهوم العولمة والتي تعني انتشار القيم الثقافية و الأنماط السلوكية و الأنظمة الاقتصادية و السياسية في العالم مجاوزة الحدود السياسية.و كان من الطبيعي أن تظهر ردود أفعال متباينة و متناقضة بينرجال الفكر و السياسة من رافض للعولمة و مؤيد لها فأي الموقفين نؤيد و أيهمانرفض وهل يمكن التوفيق بينهما؟.
محاولة حل المشكلة:عرض منطقالأطروحة :إن العولمة في نظر أنصارها، تقوم على الحرية في المجالات الاقتصادية،و الاجتماعية ،و الثقافية ،و السلوكية ،دون مراعاة الحدود السياسية للدولـة ،ودون حاجة إلى إجراءات حكومية يمثل هذا المذهب أرباب الشركات الكبرى في العالم((الشركات المتعددة الجنسيات)).• مدراء البنوك الخاصة التابعة للدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، • صندوق النقد الدولي.• المنظمة العالمية للتجارة خليفة منظمة الغات.
الحجج: ومن إيجابياتها:على المستوى الاقتصادي أنهاتؤدي إلى تشجيع المبادلات الاقتصادية التي تجري على نطاق عالمي، بعيدا عن سيطرةالدولة القومية ،و هذا ما يؤدي إلى تنشيط الاستثمارات في الدول النامية، وتنشيطالصناعات ،و فتح مجالات العمل أمام العمالة المتخصصة، مما يحفز العمال على الرفعمن مستوى أدائهم. كما تؤدي إلى تعميق الروابط التجارية بين الدول، من خلال فتحأسواق العالمية ،و بالتالي التمكن من الاستهلاك الواسع للسلع و تخفيض التعريفة الجمركية مما يؤدي الى انخفاض الأسعار،و تحسين الإنتاج باستمرار كما وكيفا وإسعاد المجتمع البشري بإغراق السوق بأكبر عدد ممكن من السلع والأدوات والتجهيزات المتجددة التي يحتاجها الانسان المعاصر.. كما تؤدي إلىتحفيز الدول النامية على إصلاحات هيكلية في أنظمتها المختلفة، لرفع قدرتها علىالمنافسة كما تخلق سوقا عالمية واحدة تساهم في توسيع التجارة و نمو الناتجالعالمي بوتيرة أوسع و أسرع. و بالتالي تنتج فوائض مالية تستغل لفائدة الإنسانية.
إضافة الى الاستفادة من مزايا الاتحادات و التكتلات مثل المنظمة العالمية للتجارة وفي هذا السياق يقول الثري الأمريكي دافيدسون
روكفيليرDavidson Rockefeller (1839-1937) (( أن العالم يكون في حالة جيدة لو كان محكوما من طرف جماعة نخبوية تتألف من بنكيين.)). أو الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يحمي اتحاديات الدول المنتمية له من تدخل أصحاب القرار من رجال السياسة.
في المجال الثقافي. إن التدفق الحر للأفكار و المعلومات و القيم،يقدم لكل فردفي العالم فرصا استثنائية للتقدم و التطور حيث يتجاوز الفرد الدائرةالضيقة للإعلام الوطني،( الفضائيات) فتؤدي الى الربط بين الحضارات والدول فتصبح ثقافاتالشعوب في متناول الجميع، ويتم تعميم وسائل الاتصال((شبكة الانترنت)) و قيام مجتمع عالمي، أو ما يسمى ب ((القرية الكونية)) والوصول الى إلغاء الحدود الجغرافية والقومية والعرقية والدينية بين الشعوب وشمولية الاستقلال الفعلي للأفراد داخل مجتمعاتهم من خلال الدفاع عن الحريات والحقوق والتنديد بالمساس بها، وهذا ما يزيد من توسيع دائرة الاستقلال الفردي وتحررهفالامة التي ارتدت ثوب عالمي جديد و دخلت معركة التيكنولوجيا اصبحت امة قوية وسائدة فرضت نفسها على الساحة العالمية ، اما الأمة التي قيدت نفسها بماضيها و رفضتالانفتاح ضعفت وتلاشت ، فالتنافس الحضاري يقتضي الانفتاح و الابداع اذ لا يقاس تقدمالامم بتقاليدها الموروثة ، و انما يقاس بعلومها و تقنياتها وقوة اقتصادها . ؛ وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ولد سنة1946Bill Clinton(( ﺇن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وأننا نستشعر أن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم الى صورتنا.)).. كما أن الثورة المعلوماتية الحديثة تسهل حركة الأفراد،و المعلومـــات و الخدمات، مما يؤدي إلى اتساع مساحة الحرية، و تقارب الحضارات. ومن هنا فالعولمة تفتح أمام الإنسان مجال الحرية الديمقراطية، والمساواة والاندماج في نظام عالمي متطور بما تتيحه من تحرر للإنسانية، و تفاعل بين مختلفالطاقات المكونة لها. يقول الدكتور علي حرب: "إنها تخلق الإنسان التواصلي الذيتتيح له الأدمغة الآلية والتقنيات الرقمية التفكير والعمل على نحو كوكبي وبصورةعابرة للقارات والمجتمعات والثقافات"
النقد :رغم الإيجابيات الكثيرة للعولمة ﺇلا أن الواقع يثبتأنها أدت إلى تراجع في المستوى المعيشي، لكثير من الشعـوب، و ظهور البطالةبتسريح العمال، و كثرة الصراعات و الحروب فهي تؤدي من الناحية السياسية الى تأييد الحكم التسلطي رغم تظاهرها بنشر الديمقراطية و رعايتها و ادعائها الدفاع عن حقوق الانسان فهي تعاقب الدول التي تتمسك بسيادتها الوطنية و هذا من خلال محاصرتها أو عزلها عن العالم العولمة المؤسسة على عالمية الاقتصاد فقط تعتبر أحادية الأبعاد((البعد المادي فقط)) ولا يمكنها تحقيق الأبعاد الأخرى التي تميز الانسان كالبعد الروحي والأخلاقي والمعرفي..
عرض نقيض الأطروحة: يرى المناهضون للعولمة، أن الاقتصاد المعولم يقعخارج نطاق تحكم الدولة القومية مما يزيد من إمكانات الصراع و التنافس، ويزيد مندور الشركات المتعددة الجنسيات فتصبح فوق سيطرة الدولة و أهم هؤلاء الفيلسوف المغربي و الدكتور محمد عابد الجابريتوفي سنة 2010، و أيضا المفكر الأوروبي هارولد كليمانتا Harold Klimenta .
الحجج: ﺇذ يعرض هارولد كليمانطا في كتابه ((أكاذيب العولمة العشر)) مخاطر العولمة فيقول((ان العولمة تنفلت من المراقبة، فهي لم تسقط من السماء كقضاء محتوم، أنها مقصودة وتتحكم فيها قيادة المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي(( fmi))،والمنظمة العالمية للتجارة((omc)) خليفة الغاتgatt. ويقول عن الأكذوبة العاشرة : (( ان العولمة تجلب التنوع في جميع أنحاء العالم، في حين ان هناك تناقصا في أنواع التفاح، وان كل الأفلام تقريبا هي أمريكية، وان الليبرالية الجديدة تعرض على أنها الاختيار السياسي الوحيد.)). .
تؤدي العولمة إلى انقسامالعالم إلى دول فاحشة الثـراء و الغنى؛ و دول فقيرة عاجزة على المنافسة. مما يدفعالدول الفقيرة إلى تخفيض الأجور فتضعف القدرة الشرائية للمواطن، كما تضطر إلى تخفيض الضرائب عن الدخل بهدف تعزيز مكانتها التنافسية، مما يؤدي إلى تقليصالمزايا الاجتماعية للعمال، كما تؤدي العولمة إلى تخفيض الإنفاق العام و تسريحموظفي الدولة ،فتنتشر البطالة و الفقر حيث بينت بعض الإحصاءات إن ثلث سكانالعالم تحت خط الفقر و أحصى اليونيسيف 12 مليون طفل يموتون من أمراض يمكن علاجهاو 75 مليون متشرد نتيجة إثارة النزاعات الطائفية، و العرقية التي يثيرها دعاةالعولمة لإيجاد ذرائع لأفكارهم حول الديمقراطية و العولمة تحت المظلة الشرعيةالدولية.
إضافة الى أن التبادل الاقتصادي الحر يستفيد منه الأقوياء لكنه يسحق الضعفاء لأنهم لا يقدرون على المنافسة الشرسة التي يفرضها الأقوياء في السوق العالمية، وبالتالي فأن التبادل التجاري الحر احدث أضرارا وأزمات مالية واجتماعية باقتصاديات الدول الضعيفة مثل بعض الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية التي انساقت وراء هذه الايدولوجيا إما اضطرارا أو طواعية واختبارا، ويمكن ملاحظة ذلك في إفلاس المؤسسات الاقتصادية المحلية وخوصصتها، وارتفاع مستوى البطالة جراء تسريح العمال واستخدام الآلة على نطاق واسع، وكان من نتائجها حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية، مما احدث هوة عميقة بين الشعوب وحكوماتهم.كما تحارب العولمة حقوق المواطنين الأساسية في الخدمات العمومية وخاصة منها خدمات الصحة والتربية، وذلك من خلال إغراق الدول بالديون وفوائد الديون التي تقدمها المؤسسات المالية، -خاصة صندوق النقد الدولي-وسواء عجزت هذه الدول عن التسديد أو استطاعت التسديد، فان ذلك ينعكس سلبا على ضمان هذه الخدمات، فتتخلى الدولة على خدمة شعبها في الصحة والتربية فترتفع قائمة الأمراض وترتفع نسبة الوفيات ويغادر الأطفال عبر هذه الدول المدارس في سن مبكرة بحثا عن العمل فيتعاطون المخدرات وينتشر الجهل بينهم ويستغلون أبشع أنواع الاستغلال ويعاملون كأشياء ويصبح المجتمع في خدمة الاقتصاد بدلا من ان يكون الاقتصاد في خدمة المجتمع.
• يتدخل صندوق النقد الدولي في السياسة المالية للدولة بإلزامها بوقف طباعة النقود في بنوكها المركزية كشرط أولي للحصول على القروض منه.
• حث الدول المقترضة منه على التصدير ورفع الإنتاج مما يساهم في استغلال واستنزاف مفرط للثروات الطبيعية نحو أسواق خارجية على حساب الاستهلاك المحلي واحترام التوازنات البيئية.
ويرى البعض أن العولمة خطة أمريكية هدفها تحويل العالم إلى إمبراطورية كبيرةتديرها أمريكا، هدفها القضاء على المقومات الحضارية، خاصة الإسلامية من خلالالبنوك العالمية ووسائل الإعلام. فالعولمة إذا ليست هيمنة اقتصادية فحسب، بلتمتد إلى الجانب الثقافي للأمة فنشأ الصـراع بين التقليدي و المستورد، مما يفتحالمجال للهيمنة الثقافة الغربية، كما أنها تؤدي إلى تدمير أخلاقي. فهي ليبراليةإباحية ، أدت بالكثير من الدول و الشعوب إلى أن فقدت السيطرة على إدارة شؤونـهاو تحديد مستقبلها. يقول الدكتور محمد عابد الجابري( توفي سنة 2010):"العولمة المعاصرة، بما أنهاطموح إلى الهيمنة الشمولية على عالم الإنسان، المادي منه والروحي، فإنها تخترقمعطيات العالم الواقعي بتسويق المنتوجات المصنعة، المادية وشبهالمادية، والثقافية وشبه الثقافية، كما تخترق معطيات العالم الغيبي، عالماللامرئي، بأفلام الخيال العلمي"، وبالانترنيت وتقنيات الاتصال، وقد تَجْمع فيالشخص الواحد بين هذين النوعين من الاختراق"!
ﺇن تبرير العولمة باسم التعاليم المسيحية من طرف بعض السياسيين الاقتصاديين في قولهم (يسوع المسيح هو حرية التبادل، وحرية التبادل هي يسوع المسيح). هو قول لا أساس له من الصحة، والتاريخ يذكرنا بمقولة الهنود الحمر في أمريكا عندما غزا الغزاة بلادهم (( كنا قبل مجيئهم نملك الأرض، وكانوا يملكون الإنجيل، وبعد مجيئهم صرنا نملك الإنجيل وصاروا هم يملكون الأرض.)).
استخدام الأقمار الصناعية ووسائل البث التلفزيوني وشبكة الانترنت في تدمير ثقافة الشعوب والقضاء على أخلاقهم،والترويج لمغريات الحياة الرأسمالية الأمريكية في التفكير واللباس والأكل والترفيه، وفتح أبواب الإباحية الجنسية، وهي مغريات تؤدي الى هدم الأسرة وإشاعة الحرية الجنسية والإجهاض والشذوذ الجنسي وشل سلطة الوالدين، وإلغاء نظام الميراث الشرعي عند المسلمين، وهو خطر حذرت منه رئيسة جمعية الأمهات الصغيرات في أمريكا في مؤتمر القاهرة سنة 1994 فقالت ((لقد دمروا المجتمع الأمريكي، وجاءوا الآن بأفكارهم الى المجتمعات الإسلامية حتى يدمروها ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها.)).
النقد:رغم هذهالسلبيات، فإن العولمة حقيقة موجودة يجب التعامل معها باعتبارها واقعا قائما حتى وان كان البعض غير مقتنع بها.
فالصراع الثقافي والحضاري أمر لا مفر من مواجهته سواء كانت هذه المواجهة ستأخذ شكل دعوة الى حوار الحضارات عند المتفائلين، أو شكل دعوة الى صراع الحضارات عند المتشائمين ورغم عيوبها فقد أدت إلى تنشيط الاستثمارات في كثير من الدول، فتطورتاقتصاديا و خرجت من عزلتها، كما أن العولمة المعلوماتية تؤدي إلى التقارب الفكريوالثقافي بين الشعوب و الأمم، و زيادة الترابط بين المجتمعات( القريةالعالمية) مثال ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت الترابط بين الأفراد كمواقع الفاسيبوك و تويتر و اليوتوب و هذا ما يجعل بعض الأمم مطالبة بان تعيد النظر في مسلماتها الثقافية والتربوية والأخلاقية انطلاقا مما تفرضه الحقائق الراهنة للعالم، ليس بقصد التكيف فحسب ولكن من اجل المشاركة والإنتاج وإلا كان مصيرها الانغلاق والتهميش..
التركيب:مادامتالعولمة أمرا واقعا يفرض نفسه يجب التعامل معه من خلال معرفة سلبياتها حتى نتجنبها وتحصيل ايجابياتها والاستفادة منها لذا يذهب الكثير إلى الاعتقاد أنمواجهة سلبيات العولمة يقتضي الاندماج فيها و ذلك بما يلي :أن تحدث الدولةإصلاحات إدارية و سياسية كفيلة بحفظ سيادتها.رفع مستوى التأهيل لدى العمال خاصةاليد العاملة المتخصصة.خلق قاعدة علمية و جعل المنظومة التعليمية تواكب التطوراتالتكنولوجية و المعرفيةمما يجعل الفرد قادرا على الإبداع و الإنتاج. تنسيقسيادة القانون فيشعر المواطن بالأمان في وطنه. تعزيز التكامل الإقليمي بين الدولو دعم الخدمـات الحيـوية، كالتعليــم و الصحة بزيادة الضريبة على الدخل علىأصحاب الأعمال.
الرأي الشخصي: لكن من وجهة نظري هناك سلبيات كثيرة للعولمة فهي تؤدي الى وقوع الدولة القومية في التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والحضارية، فترهن الأمم والدول حقوق أهلها العالمية فتقذف بها الى التبعية والاستعمار، أي تصبح الدولة القومية في مجموعها وسيلة منتخبة ديمقراطيا لكنها تخدم مصالح النخبة العالمية للمال والأعمال الليبراليين. وفي هذا السياق يقول المستشرق الفرنسي الذي اعتنق الإسلام روجيه غارودي( ولد سنة 1913)Roger Garaudy: (والتيار المهيمن في صفوف الاقتصاديين الرسميين والسياسيين هو الدفاع عن الليبرالية بدون حدود، والداعي الى اختفاء الدولة أمام السلطة المطلقة للسوق، وحتى لا يبقى أي عائق أمام الاحتلال الاقتصادي). كما أدى التطور الاقتصادي الذي فرضته العولمة الى نتائج عكسية تخص التدهور البيئي و تقلب الأحوال المناخية للأرض و استنزاف الأراضي الزراعية و قطع الأشجار.
حل المشكلة:الاندماج في العولمة بكيفية سلميةيقتضي تخطيطا محكما يسمح بالاستفادة من إيجابياتها و تفادي سلبياتها و على الأممأن تغلب القيم و المفاهيم التي تنمي الروح الوطنية و تحترم التعددية الثقافيةبامتلاكها و عيا وسلوكا جديدين.و ذلك بترقية القيم الوطنية إلى مستوىالعالمية، من خلال محا فضتها على خصوصياتها المعبرة عن هويتها والثانية مشاركتها في صنع الحضارة بالإبداع في جميع المجالات ومواكبتها وتفاعلها مع العصر الذي تنتمي إليه تفاعلا واعيا ومدروسا. يقول جل ثناؤه ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.)).
محاولة حل المشكلة:عرض منطقالأطروحة :إن العولمة في نظر أنصارها، تقوم على الحرية في المجالات الاقتصادية،و الاجتماعية ،و الثقافية ،و السلوكية ،دون مراعاة الحدود السياسية للدولـة ،ودون حاجة إلى إجراءات حكومية يمثل هذا المذهب أرباب الشركات الكبرى في العالم((الشركات المتعددة الجنسيات)).• مدراء البنوك الخاصة التابعة للدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، • صندوق النقد الدولي.• المنظمة العالمية للتجارة خليفة منظمة الغات.
الحجج: ومن إيجابياتها:على المستوى الاقتصادي أنهاتؤدي إلى تشجيع المبادلات الاقتصادية التي تجري على نطاق عالمي، بعيدا عن سيطرةالدولة القومية ،و هذا ما يؤدي إلى تنشيط الاستثمارات في الدول النامية، وتنشيطالصناعات ،و فتح مجالات العمل أمام العمالة المتخصصة، مما يحفز العمال على الرفعمن مستوى أدائهم. كما تؤدي إلى تعميق الروابط التجارية بين الدول، من خلال فتحأسواق العالمية ،و بالتالي التمكن من الاستهلاك الواسع للسلع و تخفيض التعريفة الجمركية مما يؤدي الى انخفاض الأسعار،و تحسين الإنتاج باستمرار كما وكيفا وإسعاد المجتمع البشري بإغراق السوق بأكبر عدد ممكن من السلع والأدوات والتجهيزات المتجددة التي يحتاجها الانسان المعاصر.. كما تؤدي إلىتحفيز الدول النامية على إصلاحات هيكلية في أنظمتها المختلفة، لرفع قدرتها علىالمنافسة كما تخلق سوقا عالمية واحدة تساهم في توسيع التجارة و نمو الناتجالعالمي بوتيرة أوسع و أسرع. و بالتالي تنتج فوائض مالية تستغل لفائدة الإنسانية.
إضافة الى الاستفادة من مزايا الاتحادات و التكتلات مثل المنظمة العالمية للتجارة وفي هذا السياق يقول الثري الأمريكي دافيدسون
روكفيليرDavidson Rockefeller (1839-1937) (( أن العالم يكون في حالة جيدة لو كان محكوما من طرف جماعة نخبوية تتألف من بنكيين.)). أو الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يحمي اتحاديات الدول المنتمية له من تدخل أصحاب القرار من رجال السياسة.
في المجال الثقافي. إن التدفق الحر للأفكار و المعلومات و القيم،يقدم لكل فردفي العالم فرصا استثنائية للتقدم و التطور حيث يتجاوز الفرد الدائرةالضيقة للإعلام الوطني،( الفضائيات) فتؤدي الى الربط بين الحضارات والدول فتصبح ثقافاتالشعوب في متناول الجميع، ويتم تعميم وسائل الاتصال((شبكة الانترنت)) و قيام مجتمع عالمي، أو ما يسمى ب ((القرية الكونية)) والوصول الى إلغاء الحدود الجغرافية والقومية والعرقية والدينية بين الشعوب وشمولية الاستقلال الفعلي للأفراد داخل مجتمعاتهم من خلال الدفاع عن الحريات والحقوق والتنديد بالمساس بها، وهذا ما يزيد من توسيع دائرة الاستقلال الفردي وتحررهفالامة التي ارتدت ثوب عالمي جديد و دخلت معركة التيكنولوجيا اصبحت امة قوية وسائدة فرضت نفسها على الساحة العالمية ، اما الأمة التي قيدت نفسها بماضيها و رفضتالانفتاح ضعفت وتلاشت ، فالتنافس الحضاري يقتضي الانفتاح و الابداع اذ لا يقاس تقدمالامم بتقاليدها الموروثة ، و انما يقاس بعلومها و تقنياتها وقوة اقتصادها . ؛ وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ولد سنة1946Bill Clinton(( ﺇن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وأننا نستشعر أن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم الى صورتنا.)).. كما أن الثورة المعلوماتية الحديثة تسهل حركة الأفراد،و المعلومـــات و الخدمات، مما يؤدي إلى اتساع مساحة الحرية، و تقارب الحضارات. ومن هنا فالعولمة تفتح أمام الإنسان مجال الحرية الديمقراطية، والمساواة والاندماج في نظام عالمي متطور بما تتيحه من تحرر للإنسانية، و تفاعل بين مختلفالطاقات المكونة لها. يقول الدكتور علي حرب: "إنها تخلق الإنسان التواصلي الذيتتيح له الأدمغة الآلية والتقنيات الرقمية التفكير والعمل على نحو كوكبي وبصورةعابرة للقارات والمجتمعات والثقافات"
النقد :رغم الإيجابيات الكثيرة للعولمة ﺇلا أن الواقع يثبتأنها أدت إلى تراجع في المستوى المعيشي، لكثير من الشعـوب، و ظهور البطالةبتسريح العمال، و كثرة الصراعات و الحروب فهي تؤدي من الناحية السياسية الى تأييد الحكم التسلطي رغم تظاهرها بنشر الديمقراطية و رعايتها و ادعائها الدفاع عن حقوق الانسان فهي تعاقب الدول التي تتمسك بسيادتها الوطنية و هذا من خلال محاصرتها أو عزلها عن العالم العولمة المؤسسة على عالمية الاقتصاد فقط تعتبر أحادية الأبعاد((البعد المادي فقط)) ولا يمكنها تحقيق الأبعاد الأخرى التي تميز الانسان كالبعد الروحي والأخلاقي والمعرفي..
عرض نقيض الأطروحة: يرى المناهضون للعولمة، أن الاقتصاد المعولم يقعخارج نطاق تحكم الدولة القومية مما يزيد من إمكانات الصراع و التنافس، ويزيد مندور الشركات المتعددة الجنسيات فتصبح فوق سيطرة الدولة و أهم هؤلاء الفيلسوف المغربي و الدكتور محمد عابد الجابريتوفي سنة 2010، و أيضا المفكر الأوروبي هارولد كليمانتا Harold Klimenta .
الحجج: ﺇذ يعرض هارولد كليمانطا في كتابه ((أكاذيب العولمة العشر)) مخاطر العولمة فيقول((ان العولمة تنفلت من المراقبة، فهي لم تسقط من السماء كقضاء محتوم، أنها مقصودة وتتحكم فيها قيادة المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي(( fmi))،والمنظمة العالمية للتجارة((omc)) خليفة الغاتgatt. ويقول عن الأكذوبة العاشرة : (( ان العولمة تجلب التنوع في جميع أنحاء العالم، في حين ان هناك تناقصا في أنواع التفاح، وان كل الأفلام تقريبا هي أمريكية، وان الليبرالية الجديدة تعرض على أنها الاختيار السياسي الوحيد.)). .
تؤدي العولمة إلى انقسامالعالم إلى دول فاحشة الثـراء و الغنى؛ و دول فقيرة عاجزة على المنافسة. مما يدفعالدول الفقيرة إلى تخفيض الأجور فتضعف القدرة الشرائية للمواطن، كما تضطر إلى تخفيض الضرائب عن الدخل بهدف تعزيز مكانتها التنافسية، مما يؤدي إلى تقليصالمزايا الاجتماعية للعمال، كما تؤدي العولمة إلى تخفيض الإنفاق العام و تسريحموظفي الدولة ،فتنتشر البطالة و الفقر حيث بينت بعض الإحصاءات إن ثلث سكانالعالم تحت خط الفقر و أحصى اليونيسيف 12 مليون طفل يموتون من أمراض يمكن علاجهاو 75 مليون متشرد نتيجة إثارة النزاعات الطائفية، و العرقية التي يثيرها دعاةالعولمة لإيجاد ذرائع لأفكارهم حول الديمقراطية و العولمة تحت المظلة الشرعيةالدولية.
إضافة الى أن التبادل الاقتصادي الحر يستفيد منه الأقوياء لكنه يسحق الضعفاء لأنهم لا يقدرون على المنافسة الشرسة التي يفرضها الأقوياء في السوق العالمية، وبالتالي فأن التبادل التجاري الحر احدث أضرارا وأزمات مالية واجتماعية باقتصاديات الدول الضعيفة مثل بعض الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية التي انساقت وراء هذه الايدولوجيا إما اضطرارا أو طواعية واختبارا، ويمكن ملاحظة ذلك في إفلاس المؤسسات الاقتصادية المحلية وخوصصتها، وارتفاع مستوى البطالة جراء تسريح العمال واستخدام الآلة على نطاق واسع، وكان من نتائجها حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية، مما احدث هوة عميقة بين الشعوب وحكوماتهم.كما تحارب العولمة حقوق المواطنين الأساسية في الخدمات العمومية وخاصة منها خدمات الصحة والتربية، وذلك من خلال إغراق الدول بالديون وفوائد الديون التي تقدمها المؤسسات المالية، -خاصة صندوق النقد الدولي-وسواء عجزت هذه الدول عن التسديد أو استطاعت التسديد، فان ذلك ينعكس سلبا على ضمان هذه الخدمات، فتتخلى الدولة على خدمة شعبها في الصحة والتربية فترتفع قائمة الأمراض وترتفع نسبة الوفيات ويغادر الأطفال عبر هذه الدول المدارس في سن مبكرة بحثا عن العمل فيتعاطون المخدرات وينتشر الجهل بينهم ويستغلون أبشع أنواع الاستغلال ويعاملون كأشياء ويصبح المجتمع في خدمة الاقتصاد بدلا من ان يكون الاقتصاد في خدمة المجتمع.
• يتدخل صندوق النقد الدولي في السياسة المالية للدولة بإلزامها بوقف طباعة النقود في بنوكها المركزية كشرط أولي للحصول على القروض منه.
• حث الدول المقترضة منه على التصدير ورفع الإنتاج مما يساهم في استغلال واستنزاف مفرط للثروات الطبيعية نحو أسواق خارجية على حساب الاستهلاك المحلي واحترام التوازنات البيئية.
ويرى البعض أن العولمة خطة أمريكية هدفها تحويل العالم إلى إمبراطورية كبيرةتديرها أمريكا، هدفها القضاء على المقومات الحضارية، خاصة الإسلامية من خلالالبنوك العالمية ووسائل الإعلام. فالعولمة إذا ليست هيمنة اقتصادية فحسب، بلتمتد إلى الجانب الثقافي للأمة فنشأ الصـراع بين التقليدي و المستورد، مما يفتحالمجال للهيمنة الثقافة الغربية، كما أنها تؤدي إلى تدمير أخلاقي. فهي ليبراليةإباحية ، أدت بالكثير من الدول و الشعوب إلى أن فقدت السيطرة على إدارة شؤونـهاو تحديد مستقبلها. يقول الدكتور محمد عابد الجابري( توفي سنة 2010):"العولمة المعاصرة، بما أنهاطموح إلى الهيمنة الشمولية على عالم الإنسان، المادي منه والروحي، فإنها تخترقمعطيات العالم الواقعي بتسويق المنتوجات المصنعة، المادية وشبهالمادية، والثقافية وشبه الثقافية، كما تخترق معطيات العالم الغيبي، عالماللامرئي، بأفلام الخيال العلمي"، وبالانترنيت وتقنيات الاتصال، وقد تَجْمع فيالشخص الواحد بين هذين النوعين من الاختراق"!
ﺇن تبرير العولمة باسم التعاليم المسيحية من طرف بعض السياسيين الاقتصاديين في قولهم (يسوع المسيح هو حرية التبادل، وحرية التبادل هي يسوع المسيح). هو قول لا أساس له من الصحة، والتاريخ يذكرنا بمقولة الهنود الحمر في أمريكا عندما غزا الغزاة بلادهم (( كنا قبل مجيئهم نملك الأرض، وكانوا يملكون الإنجيل، وبعد مجيئهم صرنا نملك الإنجيل وصاروا هم يملكون الأرض.)).
استخدام الأقمار الصناعية ووسائل البث التلفزيوني وشبكة الانترنت في تدمير ثقافة الشعوب والقضاء على أخلاقهم،والترويج لمغريات الحياة الرأسمالية الأمريكية في التفكير واللباس والأكل والترفيه، وفتح أبواب الإباحية الجنسية، وهي مغريات تؤدي الى هدم الأسرة وإشاعة الحرية الجنسية والإجهاض والشذوذ الجنسي وشل سلطة الوالدين، وإلغاء نظام الميراث الشرعي عند المسلمين، وهو خطر حذرت منه رئيسة جمعية الأمهات الصغيرات في أمريكا في مؤتمر القاهرة سنة 1994 فقالت ((لقد دمروا المجتمع الأمريكي، وجاءوا الآن بأفكارهم الى المجتمعات الإسلامية حتى يدمروها ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها.)).
النقد:رغم هذهالسلبيات، فإن العولمة حقيقة موجودة يجب التعامل معها باعتبارها واقعا قائما حتى وان كان البعض غير مقتنع بها.
فالصراع الثقافي والحضاري أمر لا مفر من مواجهته سواء كانت هذه المواجهة ستأخذ شكل دعوة الى حوار الحضارات عند المتفائلين، أو شكل دعوة الى صراع الحضارات عند المتشائمين ورغم عيوبها فقد أدت إلى تنشيط الاستثمارات في كثير من الدول، فتطورتاقتصاديا و خرجت من عزلتها، كما أن العولمة المعلوماتية تؤدي إلى التقارب الفكريوالثقافي بين الشعوب و الأمم، و زيادة الترابط بين المجتمعات( القريةالعالمية) مثال ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت الترابط بين الأفراد كمواقع الفاسيبوك و تويتر و اليوتوب و هذا ما يجعل بعض الأمم مطالبة بان تعيد النظر في مسلماتها الثقافية والتربوية والأخلاقية انطلاقا مما تفرضه الحقائق الراهنة للعالم، ليس بقصد التكيف فحسب ولكن من اجل المشاركة والإنتاج وإلا كان مصيرها الانغلاق والتهميش..
التركيب:مادامتالعولمة أمرا واقعا يفرض نفسه يجب التعامل معه من خلال معرفة سلبياتها حتى نتجنبها وتحصيل ايجابياتها والاستفادة منها لذا يذهب الكثير إلى الاعتقاد أنمواجهة سلبيات العولمة يقتضي الاندماج فيها و ذلك بما يلي :أن تحدث الدولةإصلاحات إدارية و سياسية كفيلة بحفظ سيادتها.رفع مستوى التأهيل لدى العمال خاصةاليد العاملة المتخصصة.خلق قاعدة علمية و جعل المنظومة التعليمية تواكب التطوراتالتكنولوجية و المعرفيةمما يجعل الفرد قادرا على الإبداع و الإنتاج. تنسيقسيادة القانون فيشعر المواطن بالأمان في وطنه. تعزيز التكامل الإقليمي بين الدولو دعم الخدمـات الحيـوية، كالتعليــم و الصحة بزيادة الضريبة على الدخل علىأصحاب الأعمال.
الرأي الشخصي: لكن من وجهة نظري هناك سلبيات كثيرة للعولمة فهي تؤدي الى وقوع الدولة القومية في التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والحضارية، فترهن الأمم والدول حقوق أهلها العالمية فتقذف بها الى التبعية والاستعمار، أي تصبح الدولة القومية في مجموعها وسيلة منتخبة ديمقراطيا لكنها تخدم مصالح النخبة العالمية للمال والأعمال الليبراليين. وفي هذا السياق يقول المستشرق الفرنسي الذي اعتنق الإسلام روجيه غارودي( ولد سنة 1913)Roger Garaudy: (والتيار المهيمن في صفوف الاقتصاديين الرسميين والسياسيين هو الدفاع عن الليبرالية بدون حدود، والداعي الى اختفاء الدولة أمام السلطة المطلقة للسوق، وحتى لا يبقى أي عائق أمام الاحتلال الاقتصادي). كما أدى التطور الاقتصادي الذي فرضته العولمة الى نتائج عكسية تخص التدهور البيئي و تقلب الأحوال المناخية للأرض و استنزاف الأراضي الزراعية و قطع الأشجار.
حل المشكلة:الاندماج في العولمة بكيفية سلميةيقتضي تخطيطا محكما يسمح بالاستفادة من إيجابياتها و تفادي سلبياتها و على الأممأن تغلب القيم و المفاهيم التي تنمي الروح الوطنية و تحترم التعددية الثقافيةبامتلاكها و عيا وسلوكا جديدين.و ذلك بترقية القيم الوطنية إلى مستوىالعالمية، من خلال محا فضتها على خصوصياتها المعبرة عن هويتها والثانية مشاركتها في صنع الحضارة بالإبداع في جميع المجالات ومواكبتها وتفاعلها مع العصر الذي تنتمي إليه تفاعلا واعيا ومدروسا. يقول جل ثناؤه ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.)).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق