شعر النقائض
النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه ،
قال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا﴾ "النحل: 92" ,
وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أن يتكلم بما يتناقض معناه ، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ما قال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض .
تمثل النقائض مصطلحاً أدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي ، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بين عدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق ، وكان الشاعر يكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفس الوزن والقافية ، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيث كان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً .
نشأ فن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلم يصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم : جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرت نقائض الفرزدق وجرير والأخطل ، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا ، فيعمد الآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذي اختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد :
- من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءً أو غيرهما , ولابد
- من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذب إليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك
- من وحدة الرَّوي لأنه النهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأول في ميدانه وبأسلحته نفسها.
ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكان الناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح ، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيرا واضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة .
الأصل في النقائض هو المقابلة والاختلاف ؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعر الأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانت فخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية ، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكون رَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني، وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر في الوقت نفسه.
نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانت في البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنون العامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنها كثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـ ضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّم الفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية ، حتى قوي واكتمل واتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتمل الملامح تام البناء الفني ، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التي عرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدق والأخطل.
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء، منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بها الشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانت المناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه في رتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكر والبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراء المناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبية القبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية .
ومنها أيضًا أيام العرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس، ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة , فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
ومن الواضح ان جريرا والفرزدق درسا تاريخ القبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي ليس في مجال المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بدا الهجاء بين جرير والفرزدق حين استعان احد الشعراء من قبيلة الفرزدق به للرد على جرير فقام الفرزدق بالانتصار لصاحبه فرد عليه جرير واشتعلت بينهما نار هجاء لم تنطفئ الا بموت الفرزدق وقد كان الهجاء بينهما يركز على ذم القبيلة وذم النسب وتحقير صفات الخصم , ومن قول الفرزدق في جرير:
ووجدت قومك فقّؤوا من لؤمهم .... عينيك عنـــــد مكارم الاقوام
صغــــــــرت دلاؤهم فما ملأوا بها..... حوضــــــا ولاشهدوا عراك زحام
فأجابه جرير :
مهلا فرزدق ان قومك فيــــهم ..... خور القلوب وخفة الاحلام
الظاعنون على العمى بجميعهم .... والنازلـــــــون بشر دار مقام
اما الاخطل فقد ارسل اليه احد اسياد قبيلة مجاشع (قبيلة الفرزدق) بألف درهم وكسوة وبغلة لكي يدعم الفرزدق في حربه ضد جرير فقال قصيدة يهجو جريرا ويفضل الفرزدق عليه منها :
اجرير انك والذي تسمو له.... كأسيفة فخرت بحدج حصان
تاج الملوك وفخرهم في دارم .... ايام يـــــــــربوع مع الرعيان
فأجابه جرير :
ياذا الغباوة ان بشراً قد قضى .... الا تجوز حكومة النشوان
فعوا الحكومة لستم من أهلها .... ان الحكومة في بني شيبان
واتصل الهجاء بين الاخطل وجرير وتناقلت الناس اشعارهما .
ولابد من ملاحظة الدوافع القبلية والشخصية لهذا التهاجي فالفرزدق ميلا لم يهج دفاعا عن القبيلة فقط بل لانه اراد منافسة جرير على زعامة تميم الشعرية , كما ان الاخطل سخط ايضا على جرير لانه مدح قبيلة قيس المعادية لبنى تغلب رهط الاخطل كما خاف الاخطل ايضا ان يزاحمه جرير على مكانته في بني امية .
واستمر الحقد متصلا فعندما مات الاخطل في حياة جرير قال فيه :
زار القبور ابو مالك .... فكـــان ألأم زوارها
كما هجا الفرزدق بعد موته فقال :
مات الفرزدق بعدما جدّعته .... ليت الفرزدق كان عاش طويلا
ولما لامه الناس في ذلك رثاه ببيتين من الشعر , ولم يلبث بعده ان مات بعد بضعة اشهر .
وفي الختام نقول ان النقائض لم تكن تمثل فقط ثأرا شخصيا بل كانت مجالا للمنافسة بين الشعراء طلبا للجوائز وشجعها الخلفاء لصرف الانتباه عن مظالمهم ورغب فيها الناس لما وجدوه فيها من تسلية وترويح ولكن خصائصها الفنية وتأريخها لماضي القبائل وايام العرب المشهورة وقوة اسلوبها ومبالغتها في الخيال جعلها تقدم للغة العربية ثروة ادبية عظيمة وسجلا تاريخيا لكثير من الوقائع والعادات في العصر الاموي وما قبله , أما مايعيب النقائض فهو دعوتها الى العصبية القبلية وخروجها على روح الاسلام السمحة التي تنهى عن التفاخر بالاحساب والهجاء الفاحش .
النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه ،
قال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا﴾ "النحل: 92" ,
وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أن يتكلم بما يتناقض معناه ، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ما قال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض .
تمثل النقائض مصطلحاً أدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي ، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بين عدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق ، وكان الشاعر يكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفس الوزن والقافية ، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيث كان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً .
نشأ فن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلم يصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم : جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرت نقائض الفرزدق وجرير والأخطل ، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا ، فيعمد الآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذي اختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد :
- من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءً أو غيرهما , ولابد
- من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذب إليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك
- من وحدة الرَّوي لأنه النهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأول في ميدانه وبأسلحته نفسها.
ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكان الناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح ، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيرا واضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة .
الأصل في النقائض هو المقابلة والاختلاف ؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعر الأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانت فخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية ، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكون رَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني، وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر في الوقت نفسه.
نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانت في البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنون العامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنها كثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـ ضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّم الفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية ، حتى قوي واكتمل واتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتمل الملامح تام البناء الفني ، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التي عرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدق والأخطل.
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء، منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بها الشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانت المناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه في رتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكر والبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراء المناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبية القبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية .
ومنها أيضًا أيام العرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس، ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة , فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
ومن الواضح ان جريرا والفرزدق درسا تاريخ القبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكن الشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائل التي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعان ما وصلت النقائض الى العصر الاموي ليس في مجال المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الى النسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بدا الهجاء بين جرير والفرزدق حين استعان احد الشعراء من قبيلة الفرزدق به للرد على جرير فقام الفرزدق بالانتصار لصاحبه فرد عليه جرير واشتعلت بينهما نار هجاء لم تنطفئ الا بموت الفرزدق وقد كان الهجاء بينهما يركز على ذم القبيلة وذم النسب وتحقير صفات الخصم , ومن قول الفرزدق في جرير:
ووجدت قومك فقّؤوا من لؤمهم .... عينيك عنـــــد مكارم الاقوام
صغــــــــرت دلاؤهم فما ملأوا بها..... حوضــــــا ولاشهدوا عراك زحام
فأجابه جرير :
مهلا فرزدق ان قومك فيــــهم ..... خور القلوب وخفة الاحلام
الظاعنون على العمى بجميعهم .... والنازلـــــــون بشر دار مقام
اما الاخطل فقد ارسل اليه احد اسياد قبيلة مجاشع (قبيلة الفرزدق) بألف درهم وكسوة وبغلة لكي يدعم الفرزدق في حربه ضد جرير فقال قصيدة يهجو جريرا ويفضل الفرزدق عليه منها :
اجرير انك والذي تسمو له.... كأسيفة فخرت بحدج حصان
تاج الملوك وفخرهم في دارم .... ايام يـــــــــربوع مع الرعيان
فأجابه جرير :
ياذا الغباوة ان بشراً قد قضى .... الا تجوز حكومة النشوان
فعوا الحكومة لستم من أهلها .... ان الحكومة في بني شيبان
واتصل الهجاء بين الاخطل وجرير وتناقلت الناس اشعارهما .
ولابد من ملاحظة الدوافع القبلية والشخصية لهذا التهاجي فالفرزدق ميلا لم يهج دفاعا عن القبيلة فقط بل لانه اراد منافسة جرير على زعامة تميم الشعرية , كما ان الاخطل سخط ايضا على جرير لانه مدح قبيلة قيس المعادية لبنى تغلب رهط الاخطل كما خاف الاخطل ايضا ان يزاحمه جرير على مكانته في بني امية .
واستمر الحقد متصلا فعندما مات الاخطل في حياة جرير قال فيه :
زار القبور ابو مالك .... فكـــان ألأم زوارها
كما هجا الفرزدق بعد موته فقال :
مات الفرزدق بعدما جدّعته .... ليت الفرزدق كان عاش طويلا
ولما لامه الناس في ذلك رثاه ببيتين من الشعر , ولم يلبث بعده ان مات بعد بضعة اشهر .
وفي الختام نقول ان النقائض لم تكن تمثل فقط ثأرا شخصيا بل كانت مجالا للمنافسة بين الشعراء طلبا للجوائز وشجعها الخلفاء لصرف الانتباه عن مظالمهم ورغب فيها الناس لما وجدوه فيها من تسلية وترويح ولكن خصائصها الفنية وتأريخها لماضي القبائل وايام العرب المشهورة وقوة اسلوبها ومبالغتها في الخيال جعلها تقدم للغة العربية ثروة ادبية عظيمة وسجلا تاريخيا لكثير من الوقائع والعادات في العصر الاموي وما قبله , أما مايعيب النقائض فهو دعوتها الى العصبية القبلية وخروجها على روح الاسلام السمحة التي تنهى عن التفاخر بالاحساب والهجاء الفاحش .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق